علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف لايكون هذا ومحبته صلى الله عليه وسلم من شروط الإيمان . فقد روى الإمام البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ))
كما أن محبته صلى الله عليه وسلم سبب لحصول حلاوة الإيمان ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ))
ومحبته صلى الله عليه وسلم ستكون سبباً لمرافقته في دار النعيم .ففي الحديث أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( المرء مع من يحب ))
يزعم كل واحد من أنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ، لكن هل نحن صادقون في هذا الإدعاء وهل مجرد اعاؤنا هذا له قيمة عند الله تعالى ؟
ذكر العلماء علامات ومقاييس لمعرفة محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلب شخص وعدمه . فإذا توفرت هذه العلامات في شخص فليحمد الله تعالى على وجود حب صادق للنبي صلى الله عليه وسلم في قلبه وإذا فقد تلك العلامات أو بعض منها فليحاسب نفسه قبل أن يحاسب في يوم يجعل الولدان شيبا ولا يحاول خداع الله تعالى والمؤمنين فالمخادع لله هو مخاد ع لنفسه .. قال تعالى : (( يُخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ))
من أشهر العلامات التي ذكرها العلماء التي تدل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم والتي سننظر من خلالها إلى حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقارنه بما نحن عليه الآن عسى الله أن يهدينا سبيل الرشاد ويصلح أحوالنا .
العلامة الأولى : فقد رؤيته عليه الصلاة والسلام يكون أشد عليه من فقد أي شيء في الدنيا :
من المعروف أن غاية مايتمنى المحب هو أن يسعد برؤية حبيبه فمحب النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى دائماً أن يسعد برؤيته عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة .وحينما يعطى له فرصة اختيار أحب وأغلى شيء يختار رؤيته صلى الله عليه وسلم ، يحدثنا الإمام مسلم عن أحد الصادقين في محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ماذا اختار حينما أعطيت له فرصة الإختيار يقول هذا المحب الصادق بنفسه ، وهو ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه : كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي : (( سل )) فقلت : يارسول الله أسألك مرافقتك في الجنه ، فقال : (( أو غير ذلك ؟)) قلت : هو ذاك ، قال : (( فأعني على نفسك بكثرة السجود ))
ثم أن المحب الصادق .. يحزنه حتى تصور حرمانه من رؤيته صلى الله عليه وسلم .. فقد ذكر ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( يافلان مالي أراك محزوناً ؟ )) فقال : يا نبي الله شيء فكرت فيه ، فقال : (( ماهو ؟)) قال : نحن نغدو ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك وغداً ترفع مع النبين فلانصل إليك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فنزل جبريل بالأيه : (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع النبين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )) فبعث النبي عليه اصلة والسلم فبشره .
هكذا كان الصادقون في محبته له عليه الصلاة والسلام . وكيف نحن ؟؟ ألسنا قد أحببنا أشياء كثيرة واستبدلناها بهذه المحبة ، نبذل الشيء الكثير من المال والوقت لمشاهدتها والتلذذ بها ونضيع العديد من حقوق الله تعالى وحقوق الناس في سبيل متابعتها نفرح برؤيتها ونحزن ونتأسف إذا فاتنا منها الشيء اليسير ..أبعد هذا كله نحن الصادقون في قولنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من جميع الناس ومن جميع الأشياء .. إن المحب الصادق في محبته لو خُير بين مجرد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم مناماً أو يقظة ( لوكان ممكناً) وبين فقد أغلى ماعنده في الحياه لاختار الأول .
العلامة الثانية : الإستعداد التام لبذل الأنفس والأموال دونه صلى الله عليه وسلم :
يترقب المحب الصادق بكل اشتياق الفرصة التي يبذل فيها نفسه وكل مايملك دون حببيه والمحبون الصادقون للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا دائماً على أتم الإستعداد لفدائه بالأنفس وكل عزيز عليهم دونه صلى الله عليه وسلم والذين كانوا بعد عصره عليه الصلاة والسلام كانوا يجدون حسرة في قلوبهم على فوات هذه الفرصة والمتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يجد منهم محبه له منقطعة النظير وفداء له بالنفس والمال .فهذا أبوبكر الصديق رضي الله عنه الذي بذل ماله كله في سبيل الله نراه يضرب لنا أروع الأمثلة لحب النبي صلى الله عليه وسلم وفدائه له بنفسه ما لا نعلم له مثيلاً في التاريخ لقد ضحى بنفسه وعرضها للهلاك ليلة الهجرة إلى المدينة ليفدي بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام من محبته له وكان يعلل هذه التضحية بقولة : (( إن قُتلتُ فإنما أنا رجل واحد ، وإن قُتلت أنت هلكت الأمه )) .
وهذا زيد بن الدثنة رضي الله عنه يخرجه أهل مكة من الحرم كي يقتلوه فيجتمعون حوله فيقول له أبو سفيان : (( أنشدك بالله يازيد ! أتحب محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ )) قال : (( والله لا أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذية وإني جالس في أهلي ))
وهذا سعد بن الربيع رضي الله عنه كان في أخر لحظات حياته لكن كان هناك شيء يشغل باله ماذا كان ذاك الشيء؟؟؟.... يحدثنا ابن هشام بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد معركة أحد قال لأصحابه : (( من رجل ينظر إلى مافعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد ، فنظر فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق ، قال : قلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال : أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ماجزى نبياً عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لاعذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف قال : ثم لم أبرح حتى مات .
ففيم فكر هذا المحب الصادق في أخر لحظات حياته ؟ ومالذي شغل باله ؟ وبماذا أوصى أصحابه وهو يودعهم ويرحل من الدنيا إلى الأخره ... الأمر الذي شغل باله هو سلامة حبيبه وحبيب رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم والوصيه التي أوصاها أصحابه أن يبذل كل واحد منهم نفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هل نحن المّدعون لمحبته صلى الله عليه وسلم هكذا؟! فيم نفكر نحن ؟؟ ماذا يشغل بالنا ؟؟ وقد يكون التصريح بمايشغل بالنا لايليق بشخص محترم وبماذا نوصي زملاؤنا حين نودعهم من المشرق إلى المغرب ؟؟ ياللأسف! هل نحن مستعدون لبذل أرواحنا وأموالنا دفاعاً عن عقيدتنا ونشر ديننا وتحرير مقدساتنا ونصرة إخواننا الذين تراق دماؤهم و تسلب أموالهم بسبب أنهم قالوا ربنا الله !!!!
العلامة الثالثة : امتثال أوامره واجتناب نواهيه :
لايختلف اثنان أن المحب لمن يحب مطيع لايقف المحب عند تنفيذ تعليمات حبيبه فقط بل يلاحظ بكل دقة تغيرا ت وجهه وإشارات عيونه لعله يدرك ما يحبه حبيبه فيفعله أو يعرف ما يبغض حبيبه ويبتعد عنه .
وحينما ننظر إلى المحبين الصادقين من خلال هذا المقياس يظهر لنا العجب العجاب . روى الإمام أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال : لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال : (( اجلسوا )) فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( تعال ياعبدالله بن مسعود ))
فلم تسمح نفس ابن مسعود المؤمنه رضي الله عنه أن يتأخر عن تنفيذ أمر حبيبه عليه الصلاة والسلام إلى أن يدخل المسجد ثم يجلس بل جلس على باب المسجد في لحظة سماعه أمره صلى الله عليه وسلم .
وليس هذا شأن ابن مسعود وحده بل هكذا كان جميع المحبين الصادقين فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وماشرابهم الا الفضيخ فإذا مناد ينادي ، فقال : اخرج فانظر ، فإذا مناد ينادي : ألا أن الخمر قد حرمت ، قال : فجرتْ في سكك المدينه فقال لي أبو طلحة : أخرج فأهرقها فهرقتها .
( فجرت : سالت ، الفضيخ : خليط البسر والتمر )
هكذا كانوا في تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف نحن ؟؟ نسمع أوامره ولا ننفذها ونسمع نواهيه ونأتيها بل لانحب أن ندخل المجلس التي تقرأ فيها أوامره ونواهيه ولا نقرأ الكتب التي تبين أقواله وتصور أفعاله ... أبعد هذا كله نبقى صادقين في دعوى محبتنا له ؟ يجب على كل واحد منا أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب في يوم لا ينفع فيه الندامة والحسرة .
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم معناها امتثال أوامره واجتناب نواهيه فالذي يخالف أوامر الإسلام في شي ما أو يفعل بعض مانهاه عنه الإسلام ثم يدعي أنه يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه غير صادق في دعواه فالمحب يجب أن يطيع حبيبه ولابد أن تتقدم هذه المحبة على محبة النفس بمعنى أن يقدم مراد رسول الله على مراد نفسه وأن يطوع هواه وفقاً لما جاء به الإسلام فإذا خالف بأقواله وأفعاله أوامر الإسلام ونواهيه فهو غير صادق في محبته وإيمانه غير كامل كما جاء في الحديث : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )) ولما قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أخذاً بيده : لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك )) فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( الآن ياعمر أي الآن ياعمر كمل إيمانك )) وهكذا إذا فهم المرء أن في وسعه أن يقدم محبة نفسه وطاعة هواه على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثال أوامره فإن إيمانه غير كامل ولايتم له ذلك إلا بتقديم طاعة الله ورسولة على كل شيء في هذا الوجود .
العلامة الرابعة : نصر سنته والذب عن شريعته :
يبذل المحب نفسه وماله وكل ما يملك للغاية التي بذل لها حبيبه طاقته وقدرته .
بذل حبيب رب العالمين عليه الصلاة والسلام جميع طاقاته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وإنقاذهم من نار جهنم ...أنه عليه الصلاة والسلام بذل أقصى جهوده لتكون كلمة الله هي العليا .. والمحبون الصادقون له أيضاً كانوا دائماً على أتم الإستعداد للتضحية بكل شيء للغرض نفسه فهذا أنس بن النضير رضي الله عنه وجد عدداً من المسلمين جالسين في معركة أحد فقال : مايجلسكم ؟ قالوا : قُتل رسول الله ، قال : فماذا تصنعون بالحياه بعده ؟ قوموا فموتوا على مامات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل .
وليس أنس بن النضير رضي الله عنه وحده هكذا بل كان كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الكيفية . انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحمة ربه وارتدت العرب وأرادوا مهاجمة المدينه وكان المسلمون في أصعب الأحوال وأشدها وفي هذه الأحوال والظروف الصعبة جاء إرسال جيش أسامة رضي الله عنه على الشام لمقاتلة الروم وهذا الجيش كان قد أرسله صلى الله عليه وسلم في أخر أيام حياته لكن الجيش توقف في الطريق لما عرف خبر مرضه عليه الصلاة والسلام ورجعوا إلى المدينة حين سمعوا خبر وفاته .. الأن جاء سؤال تنفيذ جيش أسامة رضي الله عنه واقترح تأخيره لكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان جوابه : لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة وهكذا لما جاء موضوع القتال مع مانعي الزكاة واقترح على أبوبكر رضي الله عنه أن لايقاتلهم قال قولته الشهيرة : إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي !؟؟؟
فهكذا كان المحبون الصادقون فهل نحن على دربهم ؟ نرتكب المعاصي ونضيع الأوامر فماذا نفعل نحن ؟؟
يجب علينا أن نراجع أنفسنا ونحاول أن نسير على درب أسلافنا الصالحين حتى نكون صادقين في محبتنا له صلى الله عليه وسلم .
أخي المسلم ... أختي المسلمة ... لاننكر أننا جميعا نحبه صلى الله عليه وسلم ولا أحد يشك في هذا ولكن لا بد أن تكون محبتنا صادقه موافقه لأعمالنا ... فكيف ممن يقول أنه يحب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لايعرف عدد ابناؤه ؟؟ أو أسماء زوجاته ؟؟؟ كيف ممن يقول أنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويكتفي بالصلاة الفرض ويفرط في السنه ؟؟؟ وغير ذلك .
إذا أردت المحبة الصادقه اقلع عن المعاصي واقترب من الله وادعوه أن يرزقك محبة الرسول عليه الصلاة والسلام الصادقه التي لن تأتي إلا بعد قراءة كتب عن سيرته الشريفه وسماع الأشرطة والتعرف على السنن الكريمة وأخلاقة الفاضله ،، فأنت لاتستطيع أن تحب أي شخص إلا بعد التعرف عليه ارجع لنفسك واقترب من رسولك وتعرف عليه جيدا حتى تعرف أن هذه الحياه لاتسوى شيء بدون تطبيق اوامره التي فيها صلاح لنا في الدنيا والأخرة والإبتعاد عن المعاصي التي تسبب لنا الأذى والوحشه والضنك في قلوبنا والإبتعاد عن خالقنا فهو لم ينهانا عنها إلا أنها ليست فيه فائده لا في الدنيا ولا الأخرة .
وحتى تنهض هذه الأمه ويصلح حالها وتقوى لابد من التمسك بقوة بتعاليم الإسلام والإقتداء بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام في كل أمور الحياه ...وحتى تختفي جميع الإضطرابات والقتن والأمراض النفسيه والجسدية ليس هناك علاج سوى الرجوع إلى الله والإقتداء والتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة ومحاولة نشرها وتعريف الناس بها .
قال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفو رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لايحب الكافرين ))
أسال الله أن يوفقني وإياكم لمافيه رضاه وأن يرزقنا محبة الله ورسوله وصلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين