الإسلام بين تحريف العولمة وتخريف مدعي النبوة

الإسلام بين تحريف العولمة وتخريف مدعي النبوة




عرف العالم الإسلامي مدعي النبوة أمثال مسيلمة وسجاح وغيرهم من الدجالين منذ القدم.. رغم أن الأديان السماوية لم تصل إلى الإنسان.. إلا بعد أن بلغ من الرشد أقصاه ومن الفطرة السليمة حدّاً يعينه على التفريق بين الحق والباطل.. و أن الله سبحانه و تعالى شاء أن يكونَ رسوله الكريم إلى العالمين .. محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.. خاتم الأنبياء والمُرسلين .. وهذه إحدى العقائد الأساسية في الإسلام,, التي لا يصح الإيمان إلا بها..


{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينٌَ}- الأحزاب:40.

بيد أن مكائد بني البشر من أتباع الشيطان الرجيم.. لا حصر ولا نهاية لها .. تتخذ من فترات المحن والتهافت الإنساني فرصة للتلاعب بدين الإنسان وروحه وعقله.. لأهداف مادية أو سياسية.. أو إجرامية.. أو غيرها من الأهداف الإبليسية... ولا أدل على ذلك من تواجد مدَّعي النبوة بأعداد مهولة في مناطق الجهل والفقر والمرض.. ففي الهند مثلا.. يوجد ما لا يقل عن ثمانية مليون مدعي نبوة أو رسالة أو حتى ألوهية.. ومن المدهش أن الكثير منهم سرعان ما يتحولون من حياة الفقر المُدقع والتسول إلى حياة القصور والسيارات الفارهة والحريم.. وغالبا ما ينتهي الآمر بالإفشاء عن تورطهم في شبكات عالمية للدعارة والمخدرات والتجسس والشذوذ..

ويتصادف انتشار تلك الظاهرة .. في كثير من البلدان .. منذ منتصف القرن العشرين .. مع النمو المطرد لفكر العولمة اليميني الصهيوني ..الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية على الأخص سياسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.. ولسنا بحاجة للتخمين أو التكهن بنظرية المؤامرة ..لان النظريات الصهيونية في العولمة معروفة وموثقة في الوثائق الأمريكية و بروتوكولات صهيون.. وغيرها من الوثائق التي نُشرت عنهم مرارا كما في كتاب ويليام كار المترجم للغات العالم بعنوان (أحجار على رقعة الشطرنج).. وفيها نص صريح يقول

(يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، وان تكون النتيجة المؤقتة لهذا هي أثمار ملحدين ولن يتداخل هذا في موضوعنا، ولكنه سيضرب مثلاً للأجيال القادمة التي ستصغي إلى تعاليمنا على وجوب إخضاع كل الأمم ووضعها تحت أقدامنا)- البروتوكول الثالث عشر.

غير أن قوى العولمة والسيطرة العظمى وجدت مبدئيا أن عقيدة التوحيد والجهاد في الإسلام أداة فعالة للقضاء على الامتداد الشيوعي الذي يهدد سيطرتها... فلما سقطت الشيوعية أو أُسقِطَت.. وتغلغل النفوذ الغربي في الشرق الأدنى وأسيا الوسطى.. ووصل الفكر اليميني الصهيوني لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. القوة العظمى الوحيدة في العالم.. وبدت الفرصة سانحة تماما ولأول مرة لفرض النظام العالمي الجديد.. اصبح الإسلام عقبة عظمى بل منافسا خطيرا لعولمة المادة والتسلط.. فالإسلام في حد ذاته دعوة عالمية.. يفتح ذراعيه للناس أجمعين.. ولكنها عالمية من نوع فريد تستنهض قيم العدالة والتراحم والمساواة.. تستنهض كرامة الإنسان للحفاظ على مكانته السامية في الخلق والكون .. ورفض الخضوع لغير الله.. وهذا في حد ذاته خطر جسيم على فلسفة العولمة المادية الصهيونية القائمة على امتهان كرامة الإنسان ومعاملته معاملة أدنى أنواع الدواب المسخر لخدمة شعب الله المختار.

لم يشعر المسلمون من قبل.. أن الدين الإسلامي مستهدف بقدر مكثف.. مثلما شعروا بذلك عقب حروب الخليج والاحتلال الأمريكي المسلح وغير المسلح للخليج والعراق... وإذ تراجع الرئيس الأمريكي عن وصفه للحرب بالصليبية.. بعد أن كان قد أعلن ذلك.. في نوبة حمق طالما عُرف به.. فهو لم يتراجع مراعاة للمسلمين والإسلام.. بل خوفا من مواجهة الفكر الغربي المستنير.. فالحرب حرب على الأديان المسيحية والإسلام معا.. والفكر الغربي.. الديني منه وسياسي.. يعرف ذلك جيدا.. ولن يسمح لأمريكا أو غيرها باستغلال دينه لتقويض شرائع السماء.. بيد أن المسيحية قد نال منها.. التشكيك والتفكك عبر سنوات من التخريب الصهيوني المتكنس بدعوى الحرية والحق في متعة الحياة.. ولقد حان الدور الآن على الإسلام لتجريده من فكر المقاومة والكرامة والمثل الإنسانية العليا..

اتخذت خطة استهداف الدين الإسلامي محورين أساسيين؛

المحور الأول من النوع الأكاديمي الذي يدعي الفلسفة والتساؤل.. المُعتمد على التشكيك في البنيان القرآني لزعزعته لغويا و عقائديا بدعوى التأويل والبحث عن المصدر.. فهو تارة منقول أو محرف وتارة آرامي أوعبراني أو سرياني المنشأ والمُنتمى. أو أي نوع من أنواع الافتئات بهدف التشكيك في قدسية النص و لغته العربية.

والمحور الثاني يستهدف المصدر الثاني للإسلام المتمثل في سنة النبي عليه أفضل الصلوات والسلام .. وهنا يكون الاستهداف موجها للعامة والبسطاء واللامبالين.. ويكون أحيانا عن طريق إحياء البدع التاريخية من فكر الخارجين .. كخطأ جبريل مثلا في توصيل الرسالة.. أو بدعة أن الرسول الكريم وإن كان آخر الأنبياء, لكنه ليس آخر الرسل.. بل منذر متنبئ بالرسل القادمين بعده.. وبهذا التلاعب اللغوي الساذج .. وجدت عصابات أعداء الإنسان المدخل لمدعى النبوة من فرق المُسَخََّرين ذوي الذقون الطويلة المنمقة والسراويل المشدودة المقصبة.. مدخني السيجار الفاخر والمارلبورو الأحمر ليخرجوا علينا بالتهديد والتخويف والابتزاز.. إن لم نتبع طريقتهم.. طريقة إبليس وأعداء الإنسان...

فمنذ نهاية ثمانينيات القرن المنصرم .. لا تكاد تخلو وسائل الإعلام من خبر عن مدعي نبوة أو رسول مهدي جديد يهدد ويتوعد.. لعل أشهرها دعوة الدكتور رشاد خليفة المصري الجنسية والمقيم في أمريكا.. وقد استخدم علمه لمدة عامين متواصلين.. لنشر دعوته المزعومة دون كلل .. مع التهديد بعقاب الجحيم لمن يتوانى عن اتباعه... حتى كانت نهايته بالقتل ذبحا وطعنا بالسكاكين في مطبخ منزله على أيدي البعض من أتباعه.. كما نشرت بعض الصحف الأمريكية في خبر صغير في فبراير عام 1990.
وتتوالى سلسلة طويلة من مدعي النبوة فذاك دعي مودع بسجون الكويت.. و آخر يدعى هيثم واتباعه في سجن أدلب بسورية. و حمدي بكاري الذي وجد مصلوبا ومقتولا في سجون اليمن. . على يد أحد أتباعه هو الآخر.. ليتبعه يمني آخر يطلق على نفسه (قدس) وهو محمد المفلح الذي رحل من سوريا إلى اليمن هذا العام حيث هاجمه الناس ولجأ للسفارة الأمريكية باليمن. هذا علاوة على شبكة مترامية من المهديين الرُسل مجهولي الهوية على مواقع الشبكة العنكبوتية, منهم من يدعي أنه موريتانيي, وآخر سعودي, وثالث شيشاني.. والبقية تأتي..

والمتصفح للإنترنت سيجد العشرات إن لم يكن المئات من مواقع مدعى النبوة في العالم الإسلامي.. والغريب أيضا أن مواقع الكثير منهم ترتبط علانية بمواقع الجنس وصور البورنو الإباحية .. وما علينا إلا الانتظار حتى نعلم تورطهم في شبكات منافية للقانون والأخلاق .. كما كشف أتباع محمد بكاري اليمني كيف إنه تحول من تاجر مخدرات ومسكرات إلى نبي دجال واعترف قاتله وتابعه.. كيف أقنعه الدجال ببيع منزله وصرف ثمنه على الملذات قبل مجيء يوم القيامة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.. يوم يتبرأ منهم حتى إبليس اللعين ويتوعدهم وعد الظالمين بعذاب أليم..



قال الله تعالى في كتابه الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم :
‏{‏وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }- سورة إبراهيم: 22